حكم خروج المرأة من منزلها للدعوة إلى الله
نص السؤال:
هل يجوز للمرأة الخروج من منزلها للدعوة إلى الله وإلقاء المحاضرات والدروس في المساجد وغيرها؟
نص الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله والصلاة والسلام على نبينا ورسولنا محمد واله وصحبه وبعد
فإن التعبد لله بخروج المرأة من منزلها للدعوة الى الله في المساجد وغيرها
لايوجد له مستند في كتاب الله ولا سنة رسوله ولا أقوال الصحابة والتابعين لهم باحسان , بل الأدلة تدل على المنع من ذلك , فالدعوة الى الله عمل يشترط فيه مايشترط في بقية الأعمال من الإخلاص والمتابعة قال تعالى {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً }الأحزاب45 {وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُّنِيراً }الأحزاب46 وهكذا الشأن في كل مايتقرب به العبد الى الله , ويتبين ذلك بجلاء بالأدلة التالية :
1- أن يعلم أن الله بعث محمدا بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا وأنه أكمل له ولأمته الدين كما قال تعالى: ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ) وليس فيه أمر المرأة إيجابا ولا إستحبابا بالخروج للدعوة الى الله
2- وأخبر أنه يدعو إلى الله وإلى صراطه المستقيم كما قال تعالى: ( قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني ) وقال تعالى: ( وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم صراط الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض ألا إلى الله تصير الأمور ) فأمر الدعوة في القران والسنة ظاهر في وجوبها على الرجال وجوبا كفائيا وبشروط معلومة , فخروج المرأة من بيتها للدعوة ليس من صراط الله المستقيم , وثبت عنه أنه قال: " ما تركت من شيء يبعدكم عن النار إلا وقد حدثتكم به " وقال: " تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدى إلا هالك " حديثان صحيحان أخرجهما أهل السنن
3- أن الله فرض على أزواج الرسول خاصة الدعوة اليه في قوله تعالى {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً }الأحزاب34 وأمرهن مع ذلك بالقرار في البيوت قال تعالى {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً }الأحزاب33
4- أن القاعدة الشرعية المتفق عليها بين أهل الحق والإتباع أن العبادة إذا وجد سببها في عهد النبوة ولم يقم مانع من فعلها ولم تفعل فإن فعلها بدعة , ومن المعلوم أن خروج المرأة للدعوة وجد سببه في عهد النبي عليه السلام ولم يأمر النساء به أو يأذن ولم ينقل أن نساء الصحابة فعلنه
ولو كان خيرا لسبقن اليه
5- أن الله فرض على الرجال تعليم النساء في قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ }التحريم6 وقد جاء في الصحيحين عن أبي سعيد قال قال النساء للنبي صلى الله عليه وسلم غلبنا عليك الرجال فاجعل لنا يوماً من نفسك فوعدهن يوماً لقيهن فيه فوعظهن وأمرهن " الحديث
6- أن صلاة الجماعة من أعظم القربات الى الله ومع ذلك قال النبي علي السلام في حق المرأة فيها (قَالَ الْمَرْأَةُ عَوْرَةٌ وَإِنَّهَا إِذَا خَرَجَتِ اسْتَشْرَفَهَا الشَّيْطَانُ وَإِنَّهَا لاَ تَكُونُ إِلَى وَجْهِ اللهِ أَقْرَبَ مِنْهَا فِي قَعْرِ بَيْتِهَا ) رواه ابن حبان في صحيحه واصله في مسلم
وعليه فإن خروج المرأة من بيتها للدعوة الى لا يخلو من حالين :
الأول : أن يكون سنة جارية وشريعة للناس , فهذا لاريب أنه داخل في قوله عليه السلام (وَمَنْ عَمِلَ عَمَلًا ليس عليه أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ ) أخرجاه
الثاني : أن يكون لأمر عارض لايتكرر هو أقرب للضرورة لما فيه من دفع المفاسد العظيمة على الدين فهذا لاحرج فيه بل قد يكون واجبا , مثل أن يجتمع بعض النسوة على منكر ولايمكن دخول الرجال عليهن فتخرج المرأة لذلك , ومن هنا نعلم الفرق بين كون العمل سنة وكونه لدفع مفسدة , فإن قيل المرأة اليوم تخرج للتعليم في المدارس , فجوابه أن خروجها للتعليم طلب للرزق وهذا ليس مختصا بالرجال إذا كان على وفق الشريعة
7- أن الله أمر الخلق أن يردوا ما تنازعوا فيه من دينهم إلى ما بعث به رسوله كما قال تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا )
ومع ظني أن غالب من يفعل ذلك من الصالحات يردن الله والدار الاخرة
إلا أن ذلك لا يكفي في لزوم السنة , فقد جاء النساء الى النبي يردن الجهاد كما روى ابن خزيمة في صحيحه عن عائشة أم المؤمنين قالت قلت يا رسول الله هل على النساء من جهاد قال عليهن جهاد لا قتال فيه الحج والعمرة , وفيه من الفوائد ايضا أن الأمور التعبدية لابد فيها من إذن الشارع كما تقدم في سورة الأحزاب في أول الجواب , وأختم بما رواه الدارمي بسند صحيح الى عبدالله بن مسعود قال الدارمي أخبرنا يَعْلَى ثنا الْأَعْمَشُ عن شَقِيقٍ قال قال عبد اللَّهِ كَيْفَ أَنْتُمْ إذا لَبِسَتْكُمْ فِتْنَةٌ يَهْرَمُ فيها الْكَبِيرُ وَيَرْبُو فيها الصَّغِيرُ وَيَتَّخِذُهَا الناس سُنَّةً فإذا غُيِّرَتْ قالوا غُيِّرَتْ السُّنَّةُ قالوا وَمَتَى ذلك يا أَبَا عبد الرحمن قال إذا كَثُرَتْ قُرَّاؤُكُمْ وَقَلَّتْ فُقَهَاؤُكُمْ وَكَثُرَتْ أُمَرَاؤُكُمْ وَقَلَّتْ أُمَنَاؤُكُمْ وَالْتُمِسَتْ الدُّنْيَا بِعَمَلِ الْآخِرَةِ " كما ينبغي أن يعلم أن الثمرات الطيبة لاتنتج عن مخالفة القران السنة وان ظنها الناس خيرا فقد روى الدارمي بسند صحيح أخبرنا الْحَكَمُ بن الْمُبَارَكِ انا عمر بن يحيى قال سمعت أبي يحدث عن أبيه قال كنا نَجْلِسُ على بَابِ عبد اللَّهِ بن مَسْعُودٍ قبل صَلَاةِ الْغَدَاةِ فإذا خَرَجَ مَشَيْنَا معه إلى الْمَسْجِدِ فَجَاءَنَا أبو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ فقال أَخَرَجَ إِلَيْكُمْ أبو عبد الرحمن بَعْدُ قُلْنَا لَا فَجَلَسَ مَعَنَا حتى خَرَجَ فلما خَرَجَ قُمْنَا إليه جميعا فقال له أبو مُوسَى يا أَبَا عبد الرحمن اني رأيت في الْمَسْجِدِ أنفا أَمْرًا أَنْكَرْتُهُ ولم أَرَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الا خَيْرًا قال فما هو فقال ان عِشْتَ فَسَتَرَاهُ قال رأيت في الْمَسْجِدِ قَوْمًا حِلَقًا جُلُوسًا يَنْتَظِرُونَ الصَّلَاةَ في كل حَلْقَةٍ رَجُلٌ وفي أَيْدِيهِمْ حصا فيقول كَبِّرُوا مِائَةً فَيُكَبِّرُونَ مِائَةً فيقول هَلِّلُوا مِائَةً فَيُهَلِّلُونَ مِائَةً وَيَقُولُ سَبِّحُوا مِائَةً فَيُسَبِّحُونَ مِائَةً قال فَمَاذَا قُلْتَ لهم قال ما قلت لهم شيئا انْتِظَارَ رَأْيِكَ أو انتظار أَمْرِكَ قال أَفَلَا أَمَرْتَهُمْ ان يَعُدُّوا سَيِّئَاتِهِمْ وَضَمِنْتَ لهم ان لَا يَضِيعَ من حَسَنَاتِهِمْ ثُمَّ مَضَى وَمَضَيْنَا معه حتى أتى حَلْقَةً من تِلْكَ الْحِلَقِ فَوَقَفَ عليهم فقال ما هذا الذي أَرَاكُمْ تَصْنَعُونَ قالوا يا أَبَا عبد الله حصا نَعُدُّ بِهِ التَّكْبِيرَ وَالتَّهْلِيلَ وَالتَّسْبِيحَ قال فَعُدُّوا سَيِّئَاتِكُمْ فَأَنَا ضَامِنٌ ان لَا يَضِيعَ من حَسَنَاتِكُمْ شَيْءٌ وَيْحَكُمْ يا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ ما أَسْرَعَ هَلَكَتَكُمْ هَؤُلَاءِ صَحَابَةُ نَبِيِّكُمْ صلى الله عليه وسلم مُتَوَافِرُونَ وَهَذِهِ ثِيَابُهُ لم تَبْلَ وأنيته لم تُكْسَرْ وَالَّذِي نَفْسِي بيده انكم لعلي مِلَّةٍ هِيَ أهدي من مِلَّةِ مُحَمَّدٍ أو مفتتحوا بَابِ ضَلَالَةٍ قالوا والله يا أَبَا عبد الرحمن ما أَرَدْنَا الا الْخَيْرَ قال وَكَمْ من مُرِيدٍ لِلْخَيْرِ لَنْ يُصِيبَهُ ان رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حدثنا أَنَّ قَوْمًا يقرؤون الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ وأيم اللَّهِ ما أَدْرِي لَعَلَّ أَكْثَرَهُمْ مِنْكُمْ ثُمَّ تَوَلَّى عَنْهُمْ فقال عَمْرُو بن سَلَمَةَ رَأَيْنَا عَامَّةَ أُولَئِكَ الْحِلَقِ يُطَاعِنُونَا يوم النَّهْرَوَانِ مع الْخَوَارِجِ , وحذر رضي الله عنهم من البدع فقد روى ابوداود بسند صحيح حدثنا يَزِيدُ بن خَالِدِ بن عبد اللَّهِ بن مَوْهَبٍ الْهَمْدَانِيُّ ثنا اللَّيْثُ عن عُقَيْلٍ عن بن شِهَابٍ أَنَّ أَبَا إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيَّ عايذ اللَّهِ أخبره أَنَّ يَزِيدَ بن عُمَيْرَةَ وكان من أَصْحَابِ مُعَاذِ بن جَبَلٍ أخبره قال كان لَا يَجْلِسُ مَجْلِسًا لِلذِّكْرِ حين يَجْلِسُ إلا قال الله حَكَمٌ قِسْطٌ هَلَكَ الْمُرْتَابُونَ فقال مُعَاذُ بن جَبَلٍ يَوْمًا إِنَّ من وَرَائِكُمْ فِتَنًا يَكْثُرُ فيها الْمَالُ وَيُفْتَحُ فيها الْقُرْآنُ حتى يَأْخُذَهُ الْمُؤْمِنُ وَالْمُنَافِقُ وَالرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ وَالصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ وَالْعَبْدُ وَالْحُرُّ فَيُوشِكُ قَائِلٌ أَنْ يَقُولَ ما لِلنَّاسِ لَا يَتَّبِعُونِي وقد قرأت الْقُرْآنَ ما هُمْ بِمُتَّبِعِيَّ حتى أَبْتَدِعَ لهم غَيْرَهُ فَإِيَّاكُمْ وما ابْتُدِعَ فإن ما ابْتُدِعَ ضَلَالَةٌ وَأُحَذِّرُكُمْ زَيْغَةَ الْحَكِيمِ فإن الشَّيْطَانَ قد يقول كَلِمَةَ الضَّلَالَةِ على لِسَانِ الْحَكِيمِ وقد يقول الْمُنَافِقُ كَلِمَةَ الْحَقِّ قال قلت لِمُعَاذٍ ما يُدْرِينِي رَحِمَكَ الله أَنَّ الْحَكِيمَ قد يقول كَلِمَةَ الضَّلَالَةِ وَأَنَّ الْمُنَافِقَ قد يقول كَلِمَةَ الْحَقِّ قال بَلَى اجْتَنِبْ من كَلَامِ الْحَكِيمِ الْمُشْتَهِرَاتِ التي يُقَالُ لها ما هذه ولا يُثْنِيَنَّكَ ذلك عنه فإنه لَعَلَّهُ أَنْ يُرَاجِعَ وَتَلَقَّ الْحَقَّ إذا سَمِعْتَهُ فإن على الْحَقِّ نُورًا " وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه , وصلى وسلم وبارك الله على نبينامحمد واله وصحبه
- رقم الفتوى : 6
- إسم السائل: سائل من الموقع
- البلد : السعودية